أكد الكاتب عدنان حميدان أن وقف إطلاق النار في غزة بعد عامين من الدمار الممنهج كشف حقيقة لا لبس فيها: إسرائيل لم تنتصر، وغزة لم تنكسر. فبينما أنهكت الحرب الحجر والبشر، خرجت إسرائيل مهزومة أخلاقياً وسياسياً واقتصادياً، بعد أن سقط قناع القوة الذي تلوّحت به لعقود.
أوضح موقع ميدل إيست آي أن ما جرى في غزة لم يكن استعراضاً للقوة، بل انكشافاً للعجز. فإسرائيل التي تعهّد قادتها بالقضاء على المقاومة وتدمير غزة واستعادة الردع، فشلوا في تحقيق أي من تلك الأهداف. بقيت المقاومة قائمة، وقيادتها على قيد الحياة، وشبكاتها فاعلة رغم الحصار والتدمير. تحوّل الجيش الإسرائيلي، الذي طالما صُوّر كـ"الذي لا يُقهر"، إلى قوة مثخنة بالهزائم، فقدت هيبتها وثقتها بنفسها.
سجّل المقال أن إسرائيل لم تنجز سوى قتل عشرات الآلاف من المدنيين وتسوية الأحياء بالأرض، فيما وصفت الأمم المتحدة أفعالها بأنها ترقى إلى جرائم إبادة جماعية. خارج ميدان المعركة، تزايدت خسائر إسرائيل على كل الأصعدة: انهارت السياحة، وتجمّدت الاستثمارات الأجنبية، وتكبّد الاقتصاد خسائر بمليارات الدولارات، بينما شهدت بورصة تل أبيب أسوأ أداء منذ عشرين عاماً. عمّ الانقسام المجتمع الإسرائيلي، وتعمّقت الفجوات بين المتدينين والعلمانيين، وبين اليمين المتطرف وبقايا التيار الوسطي، ما ولّد شعوراً باليأس والهجرة نحو أوروبا وأمريكا الشمالية.
أضاف الكاتب أن عزلة إسرائيل السياسية غير مسبوقة. أدانتها برلمانات غربية كانت يوماً تحميها، وطالبت أحزاب مؤيدة سابقاً لها بفرض عقوبات عليها. وفي أمريكا نفسها تراجعت شعبيتها إلى أدنى مستوياتها منذ تأسيسها. أما في أمريكا اللاتينية وأفريقيا وآسيا، فقد طردت دول عدة السفراء الإسرائيليين وقطعت العلاقات الدبلوماسية بالكامل. حتى داخل المجتمعات اليهودية في الغرب ارتفعت أصوات تدين الحرب وتصفها بانتحار أخلاقي.
تبدّدت صورة إسرائيل كـ"واحة ديمقراطية"، وحلّ محلها واقع دولة منبوذة تواجه تحقيقات دولية في محكمة العدل الدولية حول الإبادة الجماعية. بينما إسرائيل تنحدر، صمدت غزة رغم الجراح. لم تنتصر عسكرياً، لكنها انتصرت بالصمود. بقيت قادرة على الحياة من تحت الركام: آباء يدفنون أبناءهم ثم يعيدون البناء، معلمون يفتحون صفوفاً في الخيام، وأطفال يدرسون على ضوء الشموع.
كتب حميدان أن غزة نزفت لكنها لم تركع، لأنها تؤمن بأن الكرامة لا تُساوَم. ولأول مرة منذ عقود، انتصر الخطاب الفلسطيني في الوعي العالمي على الرواية الإسرائيلية. فآلة الدعاية التي روّجت لإسرائيل كضحية فقدت السيطرة أمام مشاهد المجازر والبؤس. العالم شاهد القتل لحظة بلحظة، ولم يعد من الممكن إخفاء الحقيقة. خرجت الملايين في شوارع نيويورك ولندن وباريس وجوهانسبرغ تهتف لفلسطين وتطالب بالعدالة، بينما تحوّلت الجامعات الغربية إلى معاقل تضامن ومقاومة رمزية.
سقطت إسرائيل أخلاقياً قبل أن تنهار سياسياً. الحرب التي أرادت بها استعادة الردع أفقدتها ما تبقّى من مصداقية. أصبحت دولة تعيش في خوف دائم، تُحاكَم أمام العالم، وتفقد حتى دعم أنصارها التاريخيين. لم تخسر جنوداً فحسب، بل فقدت إنسانيتها وبوصلتها الأخلاقية.
أما غزة، فبرغم الدمار، ظلت محتفظة بروحها. لم تربح الحرب لأن العالم تخلى عنها، لكنها لم تُهزم لأن إيمانها بالعدالة أقوى من القنابل. النصر فيها لا يُقاس بعدد الصواريخ، بل بعدد الأمهات اللاتي ينهضن من تحت الأنقاض، والأطفال الذين يواصلون التعلم وسط الظلام، والشعب الذي يرفض أن يموت رغم الحصار.
اختتم حميدان بالقول إن إسرائيل خسرت العالم لأنها خسرت ضميرها، بينما ربحت غزة الذاكرة والكرامة. انتهت الحرب، لكن المعركة الحقيقية – معركة الضمير والعدالة – بدأت الآن، وفيها غزة هي المنتصرة.
https://www.middleeasteye.net/opinion/two-years-genocide-gaza-endured-israel-lost-world